الخبر الذي ورد أمس وفق معلومات مؤكدة للصحيفة حول بلاغات مدونة في عدة أقسام شرطة بولاية الخرطوم وصور كشفت عن ضبط (مليشيات مدنية) تقوم باعتقال وتعذيب مواطنين تستغل منتجعاً سياحياً بشارع النيل بالخرطوم (الأسكلا) لممارسة أعمالها غير المشروعة في الاعتقال والابتزاز وممارسة التعذيب لضحاياها. هذا الخبر تناولته الأوساط وتناقلته بشكل كبير ما يؤكد فداحة الأمر الذي ربما بدأت توحل فيه الحكومة الانتقالية وقد يكون من خارج علمها لجهة أنه أمر غير قانوني ولا أخلاقي ويساهم في غياب الأمن والاستقرار. وقد أكدت المعلومات التي تحصلت عليها (اليوم التالي) أن قواتٍ من الشرطة داهمت المنتجع وضبطت مجموعة مدنية مُسلحة تضم (17) فرداً تستغل المنتجع كمعتقلات وخصصت جزءاً منه للاعتقال والتعذيب في عدد من الغرف الضيقة. وتم فتح بلاغات بقسم الدرجة الثالثة بالرقم (514) و(515) و(516) تحت المواد (69 ـــــ 77) الإخلال بالسلامة العامة والإزعاج العام، وأوضحت المصادر أنه تم تدوين بلاغ أيضاً لذات المجموعة بالرقم (5817) في مواجهة (12) شخصاً من المجموعة، وأكدت أنه عثر بحوزة المليشيا المدنية على أسلحة (مسدسات) وأسلحة (كلاشنكوف)، وهذا يدعو للتساؤل عن الجهة التي تقف خلف هذا العمل الذي يستهدف الأمن والاستقرار ويكرس لعودة بيوت الأشباح التي سادت في فترات الشمولية البغيضة!..
منظومة الوطني
البروفيسور صلاح الدومة، المحلل السياسي يرى أن هذا الأمر هو أحد أساليب الحزب الحاكم السابق (المؤتمر الوطني) وقال لأن هذا الفعل هو أحد صور عمل المنظومة السياسية السابقة التي كانت تجيد مثل هذه الخطوات وتجيش المليشيات المدنية على غرار الأمن الشعبي، وأكد صلاح لـ(اليوم التالي) أن الأمن الشعبي جزء من المنظومة الكبيرة التي تضم جهاز الأمن والجيش والشرطة وأنه يجب على الناس معرفتها فالجيش والأمن والشرطة مسؤولية البرهان وحده ولا تسأل عنه القوى المدنية وفقاً للوثيقة الدستورية التي نصت على ذلك بطلب من العسكريين أنفسهم حينما طالبوا بضرورة إسناد مهمة إدارة الأجهزة الأمنية والشرطية والعسكرية لهم باعتبار أنهم أولى الناس دراية ومعرفة بالقضايا الأمنية والعسكرية والشرطية وعليها احتكروا إدارات هذه المؤسسات. وقال تختلف المسببات ولا يوجد غير المؤتمر الوطني الذي يستهدف الانتقالية بشدة عبر قواته في الأمن الشعبي وغيرها وأن هؤلاء جزء من منظومة الأمن الشعبي التي تديرها غرفة عمليات واحدة تتبع للمؤتمر الوطني الحزب المحلول. مؤكداً أنه لا أحزاب البعث العربي الاشتراكي ولا الشيوعي ولا غيرهما من قوى الحرية والتغيير يستطيع أن يفعل ذلك.
ظاهرة خطيرة
ويقول د. عمر عبد العزيز الخبير في الأسلحة والتجييش أن معرفة الجهات التي تقف خلف هذا العمل وهذه المليشيات صعب التكهن به لأن الفعل كبير وخطير لكنه قال إن الأجهزية الاستخباراتية والشرطية وحدها تستيطع الإفادة عمن يقف خلف هذه الأعمال التي تستهدف الأمن والاستقرار بصورة كبيرة. وأكد د. عمر أن الظاهرة هذه خطيرة وهي تجعل المواطن يتشكك في قواته وأجهزته النظامية المنوط بها حفظ الأمن والاستقرار لأن مجرد ظهورها يعتبر استهدافاً للأمن والاستقرار وحياة المواطن بصورة كبيرة.
غطاء سياسي
ويقول د. منتصر صالح حسن، الخبير الإستراتيجي إن مفهوم المليشيات يختلف من دولة إلى غيرها؛ وهي جماعات مسلحة غير قانونية، وكثيرا ما يرتبط اسم هذه المجموعات في بعض البلدان بـ”الإصلاح المعاصر”. والمفهوم العالمي السائد للمليشيا، هو وجود مجموعة من الناس تقوم بتسليح نفسها ولا تتبع الدولة أو تتمرد عليها، لكنها في بعض الأنظمة في الدول تحظى بحماية وغطاء من بعض القوى السياسية، ويوجد بينها وبين الحكومة اتفاقات شفوية تسمح لها بالتسلح ضمن حدود. وفيما برهن منتصر وجود هذه القوات المليشياوية أشار إلى تفاهم وغطاء من الجانب السياسي إلا أنه اتفق مع بعض الأساتذة سيما الغربيين منهم، مثال غالهار الأمريكية، في أن فلسفة المليشيات السائدة اليوم أساسها “الاعتقاد بطغيان الحكومة، وامتلاك الدولة لسلطات على حياة الفرد ومقدراته”. والاتفاق على أنها غير رسمية ولا تخضع لسيطرة الحكومة أو أي جهة، ولا يحكمها كيان لتنظيم شؤونها، وتستقوي على المستضعفين ومن لا يوافقهم الرأي”، بحسب “غالاهر”. ويستدرك الخبير الإستراتيجي من أن هذه المليشيات إذا افترضنا أن لديهم التغطية أو الحماية من قبل بعض القوى السياسية، والأمنية أحياناً إلا أنهم لا يوجد ما يربط بينهم على أساس أن عملها غير رسمي وقد يدخل الأجهزة صاحبة الغطاء في صراع سياسي محلي وإقليمي ودولي. وقال ربما أنها بعض(جماعة الضغط) التي ينحصر نشاطها في معارضة النظام القائم وتسعى لوجود حكومة موسعة تتصرف بنوع من الطغيان أو تحاول لتأسيس نفوذ يعيد لها ما فقدته من بريق ولمعان سلطوي. لكنه أكد إنه بذلك لا يؤيد من يقولون إن هذه المليشيات هي مليشيات النظام البائد مؤكداً أن كل القرائن تؤكد عدم وجود لهذه القوى التي فشلت في الحفاظ على نظامها عندما بدأ يتهاوى قبل أن يسقط مؤكداً ربما أن هناك من يسعى لخدمة الحكومة تحت مظلة غير شرعية لحماية أغراض الثورة.
إرهاب وارتزاق
وعلى الرغم من أن المليشيات تقيم بين فترات معسكرات تدريب، فإنه لا يمكن لهذه الجماعة المسلحة أن تعقد هذا التدريب بعيداً عن أعين الحكومة والجهات الأمنية والشرطية والعسكرية ولا حتى أجهزة الاستخبارات والأمن، مؤكدا أن هذه المليشية المسلحة ترى نفسها بأنها خارجة على الدولة كما هو حال المنظمات الإرهابية وغيرها، بل ترى أنها جهاز ثوري يعمل للحفاظ على هذه الحكومة ربما لجهة أن ضحاياها من المدنيين وليس فيهم من يقول إنه يتبع لنظام أو مؤسسة سياسية أو حزبية معينة تختلف مع الحكومة وإلا فإن هدف هذه المليية سيتحول لجماعة مستنفعة تسعى للاغتناء على حساب أموال المدنيين بصورة غير شرعية وهي في ذلك تؤمن عواقب فعلتها لانشغال الحكومة الانتقالية بقضايا أخرى غير الأمن الداخلي الذي تتسلمه جهة معينة تجد نفسها محاطة بتساؤلات كثيرة على فرضية فض اعتصام القيادة.
الراكوبة